شرح حديث / سباب المسلم فسوق
كتاب الأمور المنهي عنها: باب
تحريم سَبّ المسلم بغير حق
شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
شرح حديث / سباب المسلم
فسوق
أحاديث رياض
الصالحين: كتاب الأمور المنهي عنها باب تحريم سَبّ المسلم بغير حق
قَالَ
الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا
بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: ٥٨].
١٥٦٧
- وعنِ ابنِ مَسعودٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: «سِباب المُسْلِمِ
فُسوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ» متفقٌ عَلَيهِ.
١٥٦٨
- وعنْ أَبي ذرٍّ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- أنَّهُ سمِع رسُول اللَّه ﷺ يقولُ: «لاَ يَرمي
رجُلٌ رَجُلًا بِالفِسْقِ أَوِ الكُفْرِ، إلاَّ ارْتَدَّتْ عليهِ، إنْ لمْ يَكُن
صاحِبُهُ كذلكَ» رواه البخاريُّ.
١٥٦٩
- وعنْ أَبي هُرَيرةَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رسُولَ اللَّه ﷺ قالَ: «المُتَسابانِ
مَا قَالا، فَعَلى البَادِي مِنْهُما حتَّى يَعْتَدِي المظلُومُ» رواه
مسلم.
١٥٧٠
- وعنْ أَبي هُرَيرةَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قالَ: أُتيَ النبيُّ ﷺ بِرجُلٍ قَدْ شَرِب قالَ: «اضربُوهُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَمِنَّا الضَّاربُ
بِيدِهِ، والضَّاربُ بِنعْلِه، والضَّارِبُ بثوبهِ، فلَمَّا انصَرفَ، قَالَ بَعضُ
القَوم: أخزاكَ اللَّه، قَالَ: «لا تقُولُوا هَذَا،
لا تُعِينُوا عليهِ الشَّيطَانَ» رواه البخاري.
١٥٧١
- وعنْ أَبي هُرَيرةَ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قالَ: سمِعْتُ رسُول اللَّه ﷺ يَقُولُ: «مَنْ قَذَف
ممْلُوكَهُ بِالزِّنا يُقامُ عليهٍ الحَدُّ يومَ القِيامَةِ، إلاَّ أنْ يَكُونَ
كما قالَ» متفقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ:
الحمد
لله، وصل الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما
بعد: فهذه الأحاديث الخمسة كلها تدل على تحريم السب لأخيك المسلم والدعاء عليه إلا
بحق، الواجب على المسلم مع أخيه المحبة والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى
وحفظ اللسان عما لا ينبغي، حفظ الجوارح عما لا ينبغي، المسلم أخو المسلم، فالواجب
عليه أن يحفظ لسانه من الأذى ويداه أيضًا وغيرها من الأذى مع أخيه، المؤمن للمؤمن
كالبنيان يشد بعضه بعضًا، ويقول ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» فالواجب على المسلمين
فيما بينهم التراحم والتعاطف والحذر من الإيذاء.
يقول
الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا
وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٥٨] يعني: بغير جريمة، يعني: ظلمًا
وعدوانًا، فهذا الذي فعل الأذى من قول أو فعل قد احتمل بهتانًا عظيما، فالواجب
عليك يا عبد الله مع أخيك حفظ اللسان وحفظ الجوارح عن الأذى.
ويقول
ﷺ: «سباب المسلم
فسوق وقتاله كفر» سبابه يعني: مسابته شتمه، الله يفعل بك، أخزاك الله، لعنك
الله، قاتلك الله، أهلكك الله، وما أشبه ذلك، كل هذا من الفسوق، من العصيان
الظاهر، وقتاله كفر يعني: من الكفر المعروف في الشريعة، هو كفر النعمة، الكفر
الأصغر يعني: بدل ما يحبه في الله ويثني عليه يقاتله، فهذا من خصال أهل الجاهلية
ومن أعمال الجاهلية ويسمى كفرًا كما قال ﷺ: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»، ومثل
قوله ﷺ: «اثنتان
في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت»، وقوله ﷺ: «إنه كفر بكم تبرؤ
من أنساكم أو تبرؤ من آبائكم»، ويقول ﷺ
في حديث أبي ذر وغيره: «من دعا رجل بكفر أو قال يا
عدو الله وليس كذلك إلا رجعت عليه»، إذا قال لأخيه: يا عدو الله، أو يا
فاسق، أو يا خبيث، أو يا ملعون، أو يا زنديق، وليس كذلك رجع كلامه عليه وصار هو
أولى به.
فالواجب
الحذر من شر اللسان وورطاته {مَا يَلْفِظُ مِنْ
قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨]، وحديث معاذ رضي الله
عنه، لما سأله عن أعمال الجنة قال في آخره: كف عليك هذا وأشار إلى لسانه قلت: يا
رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال ﷺ:
ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا
حصائد السنتهم، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يزل
بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب» وفي اللفظ الآخر: «يهوي بها في النار سبعين خريفًا» فورطات اللسان
وأخطاره كثيرة.
وفي
الحديث الرابع: أن رجلًا أتي به إلى النبي ﷺ
يشرب الخمر فأمر بتأديبه؛ فمنهم الضارب بيده، ومنهم الضارب بثوبه، ومنهم الضارب
بنعله، فقال رجل: أخزاك الله، قال ﷺ: «لا تعينوا عليه الشيطان» هذا فيه أنه لا يدعى على
العاصي أخزاك الله أو لعنك الله لا، يقال: هداك الله، أصلحك الله، أعاذك الله من
شر نفسك، اتق الله يا عبد الله، يخاطب بما ينفعه حتى يكون ذلك من أسباب رجوعه إلى
الحق ومن أسباب هدايته.
وفي
الحديث الآخر يقول ﷺ: «المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم»
إذا سب إنسان إنسانًا فالإثم على الأول إلا إذا اعتدى المسبوب والمظلوم صار عليه
إثم اعتدائه، أما القصاص فلا بأس، فإذا قال له: أخزاك الله أو قاتلك الله وقال له:
مثل. فالإثم على الأول، أو لعنك الله، قال له: مثله، الإثم على الأول قصاص، فإن
زاد الثاني فعليه إثم الزيادة، الأول قال: له أخزاك الله، فقال الثاني: بل أنت
أخزاك الله ولعنك، الإثم بالزيادة هذه، أما إذا قال: مثل ما قال سواء فهذا قصاص،
لا حرج على الثاني والإثم على الأول، وتقدم قوله ﷺ:
«إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة»،
«ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا
البذيء».
المؤمن
طيب اللسان طيب الأعمال حافظ للسانه حافظ لجوارحه، هكذا المؤمن إيمانه يمنعه من
إطلاق اللسان ومن التعدي.
والحديث
الخامس يقول ﷺ: «من
رمى مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال». احتج
به العلماء على أن السيد لا يقام عليه الحد إذا قذف مملوكه، وأنه يقام عليه الحد
يوم القيامة إن كان كاذبًا لقوله ﷺ: «يقام
عليه الحد يوم القيامة» يعني: يفضح على رؤوس الأشهاد. نسأل الله العافية.
فينبغي
بل الواجب الحذر من ظلم الأرقاء ومن التعدي عليهم، وأن حقهم لا يضيع إذا فات في
الدنيا لم يفت في الآخرة، ولهذا قال في الحديث الصحيح ﷺ
في المماليك: «إخوانكم خولكم» يعني: خدامكم
جعلهم الله تحت أيديكم «فمن كان أخوه تحت يده فليلبسه
مما يلبس، وليطعمه مما يطعم، ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلفتموهم فأعينوهم»
فالمسلم يكون طيب الخلق مع خادمه سواء كان مملوكا أو غير مملوك، يكون طيب الخلق
طيب الكلام لا يتكبر ولا يظلم. وفق الله الجميع.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: