شرح حديث / لقد عجب الله من صنيعكما
باب
الإيثار والمواساة
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح حديث / لقد عجب الله من صنيعكما
أحاديث رياض الصالحين
باب الإيثار والمواساة الحديث رقم ٥٦٩
وعن
أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ
فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء،
ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما
عندي إلا ماءً، فقال النبي ﷺ: «من يُضيفُ هذا الليلة؟» فقال رجلٌ من الأنصارِ: أنا
يا رسول الله، فانطلق به إلى رحلهِ، فقال لأمرأته: أكرمي ضيف رسول الله صل الله
عليه وسلم.
وفي
رواية قال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني. قال: علليهم بشيءٍ
وإذا أرادوا العشاء، فنوميهم، وإذا دخل ضيفنا، فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكلُ؛
فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين، فلما أصبح، غدا على النبي ﷺ فقال: «لقد عجبَ الله
من صنيعكما بضيفكما الليلة» متفق عليه.
الشرح
ذكر
المؤلف رحمه الله تعالى في باب الإيثار على النفس هذا الحديث العظيم العجيب؛ الذي
يبين حال رسول الله ﷺ وأصحابه حيث جاءه رجل
فقال: (يا رسول الله ﷺ إني مجهود) يعني مجهد
من الفقر والجوع، وهو ضيف على رسول الله ﷺ،
فأرسل النبي ﷺ إلى زوجاته واحدة تلو الأخرى
يسألها هل عندها شيء، فكانت كلّ واحدة تقول: (لا والذي يعثك بالحق ما عندي إلا
الماء).
تسعة
أبيات للرسول - عليه الصلاة والسلام - ليس فيها إلا الماء، مع أن النبي ﷺ لو شاء أن يسيّر الله الجبال معه ذهبًا لسارت،
لكنه - عليه الصلاة والسلام - كان أزهد الناس في الدنيا، كل بيوته التسعة ليس فيها
شيء إلا الماء.
فقال
النبي - عليه الصلاة والسلام -: «من يُضيف هذا الليلة»
يعني هذا الضيف.
فقال
رجلٌ من الأنصار: (أنا يا رسول الله) أنا أضيفه. (فانطلق به إلى رحله، فقال
لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا؛ إلا قوت صبياني) يعني ليس عندها في البيت إلا
العشاء لهم تلك الليلة فقط. فقال: (أكرمي ضيف رسول الله ﷺ)
وأمرها أن تشغل أولادها وتلهيهم.
حتى
إذا جاء وقت الطعام نومتهم، وأطفأت المصباح، ورأت الضيف أنهم يأكلون معه ففعلت،
هدأت الصبيان وعللتهم ونومتهم، فناموا على غير عشاء، ثم إن العشاء لما قدم أطفأت
المصباح وأرت الضيف أنها تأكل هي وزوجها معه، وهما لا يأكلان، فشبع الضيف وباتا
طاويين، يعني غير متعشيين إكرامًا لضيف الرسول ﷺ.
ثم
إنه أصبح فغدا إلى رسول الله ﷺ فأخبره الرسول
- عليه الصلاة والسلام - أن الله قد عجب من صنيعهما تلك الليلة، والعجب هنا عجب
استحسان، استحسن الله - عز وجل - صنيعهما من تلك الليلة لما يشتمل عليه من الفوائد
العظيمة.
ففي
هذا الحديث من الفوائد ما يلي:
أولًا:
بيان حال رسول الله ﷺ وما هو عليه من شظف
العيش وقلة ذات اليد، مع أنه - عليه الصلاة والسلام - أكرم الخلق على الله، ولو
كانت الدنيا تساوي عند الله شيئًا؛ لكان أبر الناس بها وأحقهم رسول الله ﷺ، ولكنها لا تساوي شيئًا.
قال
ابن القيم رحمه الله:
لو
ساوت الدنيا جناح بعوضة. لم يسق منها الرب ذا الكفران
لكنها
والله أحقر عنده من. ذا الجناح القاصر الطيران
أحقر
من جناح البعوضة عند الله؛ فليست بشيء.
ومنها:
حسن أدب الصحابة مع النبي ﷺ، فإن هذا الأنصاري
- رضي الله عنه - قال لزوجته: (أكرمي ضيف رسول الله ﷺ)
ولم يقل أكرمي ضيفنا مع أن الذي أضافه في الحقيقة هو هذا الرجل، لكنه أضافه نيابة
عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - فجعله ضيفًا لرسول الله ﷺ.
ومنها:
إنه يجوز عرض الضيافة على الناس، ولا يعد هذا من المسالة المذمومة، أولًا لأنه لم
يعين، فلم يقل: يا فلان ضيف هذا الرجل حتى نقول: إنه أحرجه، وإنما هو على سبيل
العموم، فيجوز للإنسان مثلًا إذا نزل به ضيف وكان مشغولًا، أو ليس عنده ما يضيفه
به، أن يقول لمن حوله: من مضيف هذا الرجل؟ ولا حرج في ذلك
ومنها:
الإيثار العظيم من هذا الرجل الأنصاري، حيث بات هو وزوجته وصبيته من غير عشاء إكرامًا
لهذا الضيف الذي نزل ضيفًا على رسول الله ﷺ.
ومنها:
أنه ينبغي للإنسان ألا يُري ضيفه أنه مانّ عليه، أو أن الضيف مضيق عليه، ومحرج له؛
لأن الرجل أمر بإطفاء المصباح حتى لا يظن الضيف أنه ضيق عليهم وحرمهم العشاء، وهذا
مأخوذ من أدب الخليل إبراهيم - عليه السلام - حين نزلت به الملائكة ضيوفًا: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذريات:
٢٦]، حينئذٍ، لكنه راغ إلى أهله، أي ذهب بسرعة وخفية لئلا يخجل الضيف.
ومنها:
أنه يجوز للإنسان أن يؤثر الضيف ونحوه على عائلته، وهذا في الأحوال النادرة
العارضة، وإلا فقد قال النبي ﷺ: «أبدا بنفسك
فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك».
ولكن
إذا عرضت مثل هذه الأحوال؛ فلا حرج على الإنسان أن يقدم الضيف أو نحوه ممن يجب
عليه إكرامه.
ومن
تأمل سنة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وهديه وهدي أصحابه؛ وجد فيها من مكارم
الأخلاق ومعالي الآداب ما لو سار الناس عليه لنالوا بذلك رفعة الدنيا والآخرة.
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير في الدنيا والآخرة.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / لقد عجب الله من صنيعكما
Reviewed by احمد خليل
on
12:33:00 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: