Top Ad unit 728 × 90

أخبار المدونة

احاديث نبوية شريفة

شرح حديث / أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورا

باب المجاهدة
شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح - حديث - أفلا - أحب - أن - أكون - عبدًا - شكورا
شرح حديث / أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورا
أحاديث رياض الصالحين
باب المجاهدة الحديث رقم 99

عن عائشة- رضي الله عنها -أن النبي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا؟) متفق عليه. هذا لفظ البخاري.
ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة.

الشرح
ثم ذكر المؤلف- رحمة الله تعالى -ما نقله عن عائشة رضي الله عنها في باب المجاهدة، وقد سبق لنا: أن من جملة المجاهدة مجاهدة الإنسان نفسه وحمل إياها على عبادة الله، والصبر على ذلك. ذكر المؤلف رحمه الله عن عائشة- رضي الله عنها -أن النبي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت: يا رسول الله لم تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: (أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا)، فعائشة- رضي الله عنها -من أعلم الناس بحال النبي فيما يصنعه في السر؛ أي في بيته، وكذلك نساؤه- رضي الله عنهن -هن أعلم الناس بما يصنعه في بيته.
ولهذا كان كبار الصحابة يأتون إلى نساء النبي يسألونهن عما كان يصنع في بيته، فكان يقوم من الليل يعني في الصلاة تهجدًا. وقد قال الله تعالى في سورة المزمل: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ[المزمل: 20].
فكان يقوم- عليه الصلاة والسلام -أحيانًا أكثر الليل، وأحيانًا نصف الليل، وأحيانًا ثلث الليل؛ لأنه- عليه الصلاة والسلام -يعطي نفسه حقها من الراحة مع القيام التام بعبادة ربه- صلوات الله وسلامه عليه -، فكان يقوم أدنى من ثلثي الليل- يعني فوق النصف، ودون الثلثين -ونصفه وثلثه؛ حسب نشاطه- عليه الصلاة والسلام -؛ وكان يقوم حتى تتورم قدماه وتتفطر من طول القيام؛ أي يتحجر الدم فيها وتنشق.
وقد قام معه شباب من الصحابة- رضي الله عنهم -ولكنهم تعبوا فابن مسعود- رضي الله عنه -يقول: صليت مع النبي ذات ليلة، فقام طويلًا حتى هممت بأمر سوء، قالوا: بما هممت يا أبا عبد الرحمن؟ قال: هممت أن أقعد وأدعه، أي يجلس؛ لعجزه عن أن يصبر كما صبر النبي ، وحذيفة بن اليمان- رضي الله عنه -قام معه ذات ليلة فقرأ النبي البقرة والنساء وآل عمران، الجميع خمسة أجزاء وربع تقريبًا، ويقول حذيفة: كلما أتت آية رحمة سأل، وكلما أتت آية تسبيح سبح، وكلما أتت آية وعيد تعوذ، وهو معروف- عليه الصلاة والسلام -أنه يرتل القراءة.
خمسة أجزاء وربع، مع السؤال عند آيات الرحمة، والتعوذ عند آيات الوعيد، والتسبيح عن آيات التسبيح؛ فماذا يكون القيام؟ يكون طويلًا، وهكذا كان النبي- عليه الصلاة والسلام -يقرأ في الليل.
وإذا أطال القراءة أطال الركوع والسجود أيضًا، فكان يطيل القراءة والركوع والسجود.
فإذا كان يقوم- عليه الصلاة والسلام -مثلًا في ليلة من ليالي الشتاء وهي اثنتا عشرة ساعة، يقوم أدنى من ثلثي الليل؛ فلنقل إنه يقوم سبع ساعات تقريبًا وهو يصلي- عليه الصلاة والسلام -في الليل الطويل. تصور ماذا يكون حاله- عليه الصلاة والسلام -؟ ومع هذا فقد صبر نفسه، وجاهد نفسه، وقال: (أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا).
وفي هذا دليل على أن الشكر هو القيام بطاعة الله، وأن الإنسان كلما أزداد في طاعة ربه- عز وجل -فقد ازداد شكرًا لله- عز وجل -؛ وليس الشكر بأن يقول الإنسان بلسانه: أشكر الله، أحمد الله؛ فهذا شكر باللسان، لكن الكلام هنا على الشكر الفعلي الذي يكون بالفعل بأن يقوم الإنسان بطاعة الله بقدر ما يستطيع.
وفي هذا دليل على أن النبي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ كل ما تقدم من ذنبه فقد غفر الله له، كل ما تأخر فقد غفر الله له، وقد خرج من الدنيا- صلوات الله وسلامه عليه -سالمًا من كل ذنب؛ لأنه مغفور له.
وقد يخص الله أقوامًا فيغفر لهم ذنوبهم بأعمال صالحة قاموا بها مثل أهل بدر. فأهل بدر كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، منهم حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فإن النبي قال لعمر في قصة مشهورة: (أما علمت أن الله أطلع على أهل بدر فقال: اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم). وهذا من خصائص أهل بدر؛ أن الله غفر لهم ما يفعلون من الذنوب.
وإلا فإن حاطبًا- رضي الله عنه -فعل ذنبًا عظيمًا، وذلك أن الرسول- عليه الصلاة والسلام -لما أراد أن يغزو قريشًا حين نقضت العهد الذي بينه وبينهم في صلح الحديبية، أرسل حاطب- رضي الله عنه -رسالة خطية إلى أهل مكة، يخبرهم أن الرسول قادم عليهم، فأخبر النبي بذلك عن طريق الوحي، فأرسل على بن أبي طالب ورجلًا معه في إثر المرأة فأدركوها في روضة خاخ- روضة معروفة في طريق مكة -فلما أدركوها أوقفوها وقالوا لها: أخرجي الكتاب الذي معك لأهل مكة، قالت: ما معي كتاب، قالوا: لا بدَّ أن تخرجي الكتاب الذي معك، فإما أن تخرجيه وإما أن نفتشك حتى ما تحت الثياب، فلما عرفت عزيمتهم أخرجت الكتاب من خفها، فإذا فيه خطاب من حاطب- رضي الله عنه -إلى أهل مكة يخبرهم، فرجعوا به إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام -فاستأذن عمر- رضي الله عنه -وكان من أقوى الناس في دين الله النبي أن يقتل حاطبًا، قال: إن الرجل نافق، كتب بأسرارنا إلى أعدائنا قال: (أما علمت أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وكان منهم- رضي الله عنه -وإلا فهذه جريمة كبيرة.
ولهذا يجب على ولي الأمر إذا أدرك جاسوسًا يكتب إلى أعدائنا بأخبارنا أن يقتله ولو كان مسلمًا؛ لأنه عاث في الأرض فسادًا، فقتل الجاسوس ولو كان مسلمًا واجب على ولي الأمر لعظم فساده، ولكن هذا منع منه مانع؛ وهو أنه كان من أهل بدر، ولهذا لم يقل الرسول- عليه الصلاة والسلام -أما علمت أنه مسلم؟ بل قال: (أما علمت أن اطلع الله على أهل بدر).
ففي هذا دليل على أن من خصائص الرسول- عليه الصلاة والسلام -أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا قد يقع كما قلت لبعض الصحابة كأهل بدر. قال بعض العلماء: واعلم أن من خصائص الرسول- عليه الصلاة والسلام -أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبناءً عليه: فكل حديث يأتي بأن من فعل كذا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فإنه حديث ضعيف، لأن هذا من خصائص الرسول، أما (غفر له ما تقدم من ذنبه)، فهذا كثير، لكن (ما تأخر)، هذا ليس إلا للرسول فقط، وهو من خصائصه، وهذه قاعدة عامة نافعة لطالب العلم؛ أنه إذا أتاك حديث فيه أن من فعل كذا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فاعلم أن قوله (ما تأخر) ضعيف لا يصح؛ لأن هذا من خصائص محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه.
وفي هذا دليل أيضًا على فضيلة قيام الليل، وطول القيام، وقد أثنى الله على من يقوم الليل ويطيلون، فقال- عز وجل -: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ[السجدة: 16]، يعني تبتعد عن الفرش، ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا﴾ أي: إذا نظروا إلى ذنوبهم خافوا ﴿وَطَمَعًا﴾ أي: إذا نظروا إلى فضل الله طمعوا في فضله، ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[السجدة: 16-17]، أسال الله أن يجعلني وإياكم منهم.
وتتجافي جنوبهم عن المضاجع، ليس بالسهر على التليفزيون، أو على لعب الورق أو على أعراض الناس، أو ما أشبه ذلك، ولكنهم يدعون الله، ويعبدونه- عز وجل -خوفًا وطمعًا ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أين هذا الذي أخفى لهم؟ جاء في الحديث القدسي ما يبين ذلك حيث قال الله- عز وجل -: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، جعلني الله وإياكم من ساكني هذه الجنان، إنه جواد كريم.

الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
شرح حديث / أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورا Reviewed by احمد خليل on 4:27:00 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.