شرح حديث/ صليت مع النبي صل الله عليه وسلم ذات ليلة
أحاديث
رياض الصالحين: باب المجاهدة
١٠٤ -
عن أبي عبد اللَّه حُذَيْفةَ بنِ اليمانِ -رضي اللَّهُ عنهما- قَالَ: صَلَّيْتُ
مَعَ النَّبِيِّ ﷺ
ذَاتَ ليْلَةٍ، فَافَتَتَحَ الْبقرة، فقُلْت يرْكَعُ عِندَ المائة، ثُمَّ مَضَى،
فَقُلْت يُصلِّي بِهَا في رَكْعةٍ، فَمَضَى فَقُلْت يَرْكَع بهَا، ثمَّ افْتتَح
النِّسَاءَ، فَقَرأَهَا، ثمَّ افْتتح آلَ عِمْرانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرُأُ مُتَرَسِّلًا
إذَا مرَّ بِآيَةٍ فِيها تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإِذَا مَرَّ بِسْؤالٍ سَأل، وإذَا
مَرَّ بِتَعَوذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجعل يقُول: «سُبحانَ
رَبِّيَ الْعظِيمِ» فَكَانَ ركُوعُه نحْوا مِنْ قِيامِهِ ثُمَّ قَالَ: «سمِع اللَّهُ لِمن حمِدَه، ربَّنا لك الْحمدُ» ثُم
قَام قِيامًا طوِيلًا قَريبًا مِمَّا ركَع، ثُمَّ سَجَدَ فَقالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعلَى» فَكَانَ سُجُوده
قَرِيبًا مِنْ قِيامِهِ.
رواه
مسلم.
الشرح:
حذيفة
بن اليمان -رضي الله عنه- هذا أول حديث يمر بنا له في هذا الكتاب المبارك رياض
الصالحين، ومن عادتنا أن نترجم لراوي الحديث حينما يمر أول مرة.
فحذيفة
-رضي الله عنه- يقال له: حذيفة بن اليمان وإن كان من قبيلة عبس، ولكنه قيل له ذلك؛
لأنه حالف الأنصار، وهم من القبائل اليمانية في الأصل، فقيل: حذيفة بن اليمان، وقد
أسلم مع أبيه، ثم بعد ذلك شهد أحدًا مع أبيه مع رسول الله ﷺ.
وقد
قُتل أبوه -رضي الله عنهما- في أحد بسيوف المسلمين، لم يعرفوه فاجتمعوا عليه،
وحذيفة -رضي الله عنه- يقول: أبي، وما احتجزوا عنه حتى
مات -رضي الله عنه-، فتنازل عن دمه للمسلمين، تصدق به على المسلمين.
وأما
ما يتعلق بمناقبه -رضي الله عنه- فهي كثيرة جدًا، شهد
فتح الجزائر، وشهد فتح المدائن، وولاه عمر -رضي الله عنه-
في أيامه، حتى إن عمر -رضي الله عنه- قال لأصحابه يومًا: تمنوا، فجعل كل واحد منهم
يتمنى، فقال عمر -رضي الله عنه-: ولكني أتمنى رجالًا، كمعاذ، وأبي عبيدة، وحذيفة
بن اليمان، أستعملهم في مصالح المسلمين، أو كما قال -رضي الله عنه.
ومعلوم
أن النبي ﷺ
كان قد أسرّ له بأسماء المنافقين، وتوفي -رضي الله عنه- عام ست وثلاثين في
المدينة، بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه- بأربعين ليلة.
وروايته
عن النبي ﷺ
تزيد على المائة بعض الشيء، وقد اتفق الشيخان البخاري ومسلم على تخريج اثني عشر
حديثًا منها، وانفرد الإمام البخاري -رحمه الله- بثمانية، والإمام مسلم بسبعة.
يقول:
"صليت مع النبي ﷺ
ذات ليلة"، أي: في الليل، ليس الفريضة.
يقول:
"فافتتح البقرة"، يعني: أنه اقتدى بالنبي ﷺ وأْتَمّ به، وإن لم
يكن ذلك على سبيل القصد.
فقلت:
يركع عند المائة، يعني: إذا قرأ مائة آية ركع، قال: ثم مضى، فقلت: يصلي بها في
ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران.
وهذا
ليس على الترتيب الذي في المصحف البقرة ثم آل عمران، ثم النساء، فالنبي ﷺ قرأ البقرة، ثم
النساء، ثم آل عمران، وهذا يدل على أنه لا يجب على الإنسان أن يقرأ السور مرتبة
كما في المصحف، يعني: يمكن أن يقرأ الإنسان في الركعة الأولى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: ١]، وفي الركعة الثانية:
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: ١]، ولا إشكال في ذلك.
وأما
ما روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- لما قيل له عن رجل يقرأ القرآن منكوسًا، فقال:
ذاك رجل نكس الله قلبه، فليس المقصود به نكس السور، يعني: يقرأ هذه السورة قبلُ،
وإنما المقصود به أن يقلب آيات السورة، يعني: يقرأ من آخر آية حتى يصل إلى أول
آية، فهذا يفسد النظم، يفسد المعاني.
يقول:
"فقرأها، يقرأ مترسلًا" يعني: مرتلًا، يقرأ بهدوء لا يسرع، "إذا مر
بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ".
هذه
القراءة المترسلة قرأ فيها ثلاث سور طوال في ركعة واحدة، بهذه الطريقة، إذا مر بآية
وعيد مثلًا: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ} [البقرة: ١٩٦]، يقول: أعوذ من سخط الله وعذابه،
وإذا قرأ مثلًا: {إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ
رَّحِيمٌ} [البقرة: ١٤٣]،
يقول: نسأل الله لطفه ورحمته، وهكذا.
إذا
قرأ آيات تتكلم عن نعيم الجنة، وما وعد الله أهلها يقول: نسأل الله من فضله، نسأل
الله الجنة، إذا قرأ الآيات التي تذكر أوصاف المعذبين أو النار أو نحو هذا يقول:
نعوذ بالله من النار، هذه هي السنة.
وإذا
مر بآيات تنزه الله تعالى، عن النقائص قال: سبحان الله، هذه هي السنة في صلاة
الليل، وصلاة الليل أوسع من صلاة النهار، كما أن صلاة النافلة أوسع من صلاة الفرض.
فهذه
هي السنة، أن لا يسكت الإنسان، وكذلك المستمع المأموم إذا مر الإمام في هذه الآيات
فإنه يسأل، ويستعيذ، ويسبح الله -جل وعلا.
يقول:
ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوًا من قيامه من الطول، ثم قال:
سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ثم قام قيامًا طويلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد
فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبًا من قيامه.
فهذه
صلاة طويلة جدًا، وركوع طويل، وسجود طويل، وقيام طويل، وإذا عرض الإنسان نفسه على
مثل هذا، -مع أن النبي ﷺ
قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- ونظر إلى تقصيره فإن الإنسان يستحي من ربه.
نحن
إذا نظرنا الآن إلى صلاتنا في التراويح، العشاء والكلمة والتراويح كل ذلك بساعة،
لا يتجاوز ساعة، وتقام الصلاة في السابعة والنصف تقريبًا، وننتهي الثامنة والنصف.
صلاة
العشاء، والسنة الراتبة، والتسبيح، والتراويح، والكلمة التي بينها ساعة واحدة،
يقرأ الإمام نصف وجه أو نحو هذا في الركعة، ومع ذلك قد نجد أن البعض يستطيل هذا،
ولربما ترك التراويحَ الكثيرُ من المسلمين استثقالًا لها، أو يصلي تسليمة أو
تسليمتين، ثم بعد ذلك يترك.
اللهم
ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، وصل
الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: