شرح حديث / اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
باب
الصَّبر
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
أحاديث
رياض الصالحين: باب الصَّبر
٣٧ - وعنْ
أَبي عبْدِ الرَّحْمنِ عبْدِ اللَّه بنِ مسْعُودٍ -رضيَ اللَّه عنه- قَال:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى رسولِ اللَّه ﷺ يحْكيِ نَبيّاً
مِنَ الأَنْبِياءِ، صلواتُ اللَّهِ وسَلاَمُهُ عَليْهم، ضَرَبُهُ قَوْمُهُ
فَأَدْموْهُ، وهُو يمْسحُ الدَّم عنْ وجْهِهِ، يقُولُ: «اللَّهمَّ
اغْفِرْ لِقَوْمي فإِنَّهُمْ لا يعْلمُونَ» متفقٌ عَلَيْه.
الشرح
هذا
الحديث يحكي النبي ﷺ
فيه شيئا مما جرى للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والأنبياء كلَّفهم الله تعالى،
بالرسالة لأنهم أهل لها، كما قال الله تعالى: {اللَّهُ
أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤]، فهم أهل لها
في التحمُّل، والتبليغ، والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على
ذلك، وكان الرسل -عليهم الصلاة والسلام- يُؤذَوْنَ بالقول وبالفعل، وربما بلغ
الأمر إلى قتلهم، وقد بيَّن الله ذلك في كتابه حيث قال لنبيه ﷺ: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ
مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ
اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ
إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ
سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ} [الأنعام: ٣٤-٣٥] أي: إن استطعت
ذلك فافعل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى
الْهُدَى} [الأنعام: ٣٥]، ولكن لحكمة اقتضت أن يكذبوك، حتى
يتَبيّن الحق من الباطل بعد المصارعة والمجادلة: {فَلا
تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: ٣٥].
حكى
نبينا ﷺ
عن نبي من الأنبياء أن قومه ضربوه، ولم يضربوه إلا حيث كذبوه حتى أدموا وجهه، فجعل
يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا
يعلمون»، وهذا غايةُ ما يكون من الصبر، لأن الإنسان لو ضُرب على شيء من
الدنيا لاستشاط غضبًا، وانتقم ممن ضربه، وهذا يدعو إلى الله، ولا يتخذ على دعوته
أجرًا، مع هذا يضربونه حتى يدموا وجهه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وهذا
الذي حدثنا به رسول الله ﷺ
لم يحدثنا به عبثًا أو لأجل أن يقطع الوقت علينا بالحديث، وإنما حدثنا بذلك من أجل
أن نتخذ منه عبرة نسير عليها، كما قال -سبحانه وتعالى-: {لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف: ١١١]، والعبرة من
هذا أن نصبر على ما نؤذى به من قول أو فعل في سبيل الدعوة إلى الله، وأن نقول
مُتَمَثِّلين:
هـل
أنـتِ إلا إصبـعٌ دَميـتِ وفـي سبيـل الله مـا لَقِيـتِ.
وأن
نصبر على ما يصيبنا مما نسمعه أو ينقل إلينا مما يقال فينا بسبب الدعوة إلى الله،
وأن نرى أن هذا رفعةٌ لدرجاتنا وتكفير لسيئاتنا، فعسى أن يكون في دعوتنا خلل من
نقص في الإخلاص أو من كيفية الدعوة وطريقها، فيكون هذا الأذى الذي نسمع، يكون
كفارة لما وقع منا، لأن الإنسان مهما عمل فهو ناقص لا يمكن أن يكمل عمله أبدًا،
إلا أن يشاء الله، فإذا أصيب وأوذي في سبيل الدعوة إلى الله فإن هذا من باب تكميل
دعوته ورفعة درجته، فليصبر وليحتسب ولا ينكص على عقبيه، لا يقول لستُ بمُلزَم، أنا
أصابني الأذى، أنا أوذيت، أنا تعبت، بل الواجب الصبر، والدنيا ليست طويلة! أيام ثم
تزول، فاصبر حتى يأتي الله بأمره.
وفي
قول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: (كأني أنظر إلى النبي ﷺ وهو يحكي لنا) فيه
دليل على أن المحدث أو المخبر يخبر بما يؤيِّد ضبطه للخبر والحديث. وهذا أمر شائع
عند الناس، يقول: كأني أنظر إلى فلان وهو يقول لنا كذا وكذا، أي: كأني أنظر إليه
الآن، وكأني أسمع كلامه الآن.
ليست هناك تعليقات: