شرح حديث/ فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله
باب
الصَّبر
شرح
العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
شرح
حديث/ فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله
أحاديث
رياض الصالحين: باب الصبر
٤٣ -
وعن ابن مَسعُودٍ -رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قال: لمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ
رسولَ اللَّه ﷺ نَاسًا في الْقِسْمَةِ:
فأَعْطَى الأَقْرعَ بْنَ حابِسٍ مائةً مِنَ الإِبِلِ، وأَعْطَى عُييْنَةَ بْنَ
حِصْنٍ مِثْلَ ذلِكَ، وأَعطى نَاسًا منْ أشرافِ الْعربِ وآثَرهُمْ يوْمئِذٍ في
الْقِسْمَةِ. فَقَالَ رجُلٌ: واللَّهِ إنَّ هَذِهِ قِسْمةٌ مَا عُدِلَ فِيها، وَمَا
أُريد فِيهَا وَجهُ اللَّه، فَقُلْتُ: واللَّه لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فأتيتُهُ فَأخبرته بِما قَالَ، فتغَيَّر وَجْهُهُ
حتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ. ثُمَّ قَالَ: «فَمنْ
يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يعدِلِ اللَّهُ ورسُولُهُ؟ ثُمَّ قَالَ: يرحَمُ اللَّهُ
مُوسَى قَدْ أُوْذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصبرَ» فَقُلْتُ: لاَ جرمَ
لاَ أَرْفعُ إلَيه بعْدها حدِيثًا. متفقٌ عَلَيهِ.
وقوله: (كالصِّرْف) هو بكسر الصاد
المهملة: وهو صبغ أحمر.
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصل
الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذا الحديث كالذي قبله في الحث على
الصبر وأن المسلم يبتلى تارة في نفسه، وتارة في أهله، وتارة في أولاده، وتارة في
جماعته فلا بدّ من الصبر، هذه دار الابتلاء والامتحان، كما قال جل وعلا: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}
[الأنبياء: ٣٥]، {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ
وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: ١٦٨]، وقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ
مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: ٣١].
وهكذا
رسولُ اللَّه ﷺ يوم حنين لما فتح الله عليه
مكة وفتح عليه هوازن والطائف وجاءته الغنائم الكثيرة صار ينفل بعض رؤساء العرب
وبعض مشايخ العرب يتألفهم على الإسلام من الخمس، وكان غنم من هوازن إبلًا كثيرة
وغنمًا كثيرة فأعطى عيينة بن حصن الفزاري رئيس فزارة مائة من الإبل، وأعطى أيضًا
شيخ تميم مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس وجماعة آخرين فقال بعض الناس: إن هذه
القسمة ما أريد بها وجه الله! ما عدل فيها! فلما بلغ النبي عليه الصلاة والسلام،
ذلك تغير وجهه وقال: «ومن يعدل إذا لم يعدل الله
ورسوله؟» وفي اللفظ الآخر: «الا تأمنوني وأنا
أمين من السماء؟» وفي اللفظ الآخر: «أن
الأنصار قالوا وكذا وكذا» يعني: يعطيهم كذا وكذا ويدعنا وسيوفنا تقطر من
دمائهم فجمع الأنصار وقال لهم: «أنه بلغني كذا وكذا
وإنما أعطيت أقوامًا أتألفهم على الإسلام، الا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير
وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الأنصار شعار والناس دثار».
والمقصود أن الواجب على أهل الإيمان
الصبر والاحتساب، وعلى ولي الأمر أن ينظر في المصالح ولو انتقد الناس شيئًا من
ذلك، فالرسول ﷺ عمل بالمصلحة وتالف الناس على
الإسلام وأعطاهم العطايا الجزلة، حتى إنه لربما أعطى الإنسان الوادي من الغنم
فيذهب إلى قومه ويقول: يا قومي أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر،
فتالف الناس على الإسلام بالمال إذا رآه ولي الأمر بنية صالحة أمر مطلوب، والله جل
وعلا، جعل للمؤلفة حقًا في الزكاة وفي بيت المال: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: ٦٠] المؤلفة قلوبهم لهم شأن قد
يكونوا كبراء رؤساء فإذا أسلموا هدى الله بهم أممًا كثيرة بإسلامهم. وفق الله
الجميع.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: