باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي
فتح الباري شرح صحيح البخاري
ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر
العسقلاني
فتح الباري شرح صحيح البخاري: كِتَابُ
مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ بَابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلاَةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ.
٧٠٧- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنِّي
لَأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ
الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ»
تَابَعَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَبَقِيَّةُ، عَنِ
الأَوْزَاعِيِّ.
الشرح:
قوله: (باب من أخف الصلاة عند بكاء
الصبي) قال الزين بن المنير: التراجم السابقة بالتخفيف تتعلق بحق المأمومين، وهذه
الترجمة تتعلق بقدر زائد على ذلك وهو مصلحة غير المأموم، لكن حيث تتعلق بشيء يرجع
إليه.
قوله: (عن يحيى بن أبي كثير) في رواية
بشر بن بكر الآتية عن الأوزاعي "حدثني يحيى".
قوله: (عن عبد الله بن أبي قتادة) في
رواية ابن سماعة عن الأوزاعي عند الإسماعيلي "حدثني عبد الله بن أبي
قتادة".
قوله: (إني لأقوم في الصلاة أريد) في
رواية بشر بن بكر لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد.
قوله: (تابعه بشر بن بكر) هي موصولة عند
المؤلف في "باب خروج النساء إلى المساجد" قبيل كتاب الجمعة، ومتابعة ابن
المبارك وصلها النسائي، ومتابعة بقية وهو ابن الوليد لم أقف عليها، واستدل بهذا
الحديث على جواز إدخال الصبيان المساجد، وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفا
في بيت يقرب من المسجد بحيث يسمع بكاؤه. وعلى جواز صلاة النساء في الجماعة مع
الرجال، وفيه شفقة النبي ﷺ على أصحابه،
ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير.
٧٠٨- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: مَا صَلَّيْتُ
وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً، وَلاَ أَتَمَّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ،
فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ.
الشرح:
قوله: (حدثني شريك بن عبد الله) أي: ابن
أبي نمر، والإسناد كله مدنيون غير خالد فهو كوفي سكن المدينة.
قوله: (أخف صلاة ولا أتم) إلى هنا أخرج
مسلم من هذا الحديث، من رواية إسماعيل بن جعفر عن شريك، ووافق سليمان بن بلال على
تكملته أبو ضمرة عند الإسماعيلي.
قوله: (فيخفف) بين مسلم في رواية ثابت عن
أنس محل التخفيف ولفظه فيقرأ بالسورة القصيرة، وبين ابن أبي شيبة من طريق عبد
الرحمن بن سابط مقدارها، ولفظه أنه ﷺ قرأ في
الركعة الأولى بسورة طويلة فسمع بكاء صبي فقرأ بالثانية بثلاث آيات وهذا مرسل.
قوله: (أن تفتن أمه) أي: تلتهي عن صلاتها
لاشتغال قلبها ببكائه، زاد عبد الرزاق من مرسل عطاء "أو تتركه فيضيع".
٧٠٩- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ
النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا،
فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ
شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ».
الشرح:
قوله: (حدثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة،
والإسناد كله بصريون، وكذا ما بعده موصولا ومعلقا.
قوله: «وأنا أريد إطالتها» فيه أن من قصد
في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به، خلافا لأشهب حيث ذهب إلى أن
من نوى التطوع قائما ليس له أن يتمه جالسا.
قوله في رواية ابن أبي عدي: «مما أعلم»
وفي رواية الكشميهني "لما أعلم".
قوله: «وجد أمه» أي: حزنها. قال صاحب
"المحكم" وجد يجد وجدا -بالسكون والتحريك- حزن، وكأن ذكر الأم هنا خرج
مخرج الغالب، وإلا فمن كان في معناها ملتحق بها.
٧١٠- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ
قَالَ: «إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ، فَأُرِيدُ
إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ
شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ» وَقَالَ مُوسَى، حَدَّثَنَا
أَبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ.
الشرح:
قوله: (وقال موسى) أي: ابن إسماعيل وهو
أبو سلمة التبوذكي، وأبان هذا ابن يزيد العطار، والمراد بهذا بيان سماع قتادة له
من أنس، وروايته هذه وصلها السراج عن عبيد الله بن جرير وابن المنذر عن محمد بن
إسماعيل كلاهما عن أبي سلمة. ووقع التصريح أيضا عند الإسماعيلي من رواية خالد بن
الحارث عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثه. قال ابن بطال: احتج به من قال يجوز
للإمام إطالة الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه، وتعقبه ابن المنير بأن التخفيف نقيض
التطويل فكيف يقاس عليه؟ قال: ثم إن فيه مغايرة للمطلوب؛ لأن فيه إدخال مشقة على
جماعة لأجل واحد انتهى.
ويمكن أن يقال: محل ذلك ما لم يشق على
الجماعة، وبذلك قيده أحمد وإسحاق وأبو ثور، وما ذكره ابن بطال سبقه إليه الخطابي
ووجهه بأنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا كان التطويل لحاجة من حاجات
الدين أجوز، وتعقبه القرطبي بأن في التطويل هنا زيادة عمل في الصلاة غير مطلوب،
بخلاف التخفيف فإنه مطلوب، انتهى.
وفي هذه المسألة خلاف عند الشافعية
وتفصيل، وأطلق النووي عن المذهب استحباب ذلك، وفي التجريد للمحاملي نقل كراهيته عن
الجديد، وبه قال الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأبو يوسف، وقال محمد بن الحسن: أخشى
أن يكون شركا.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن
المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ليست هناك تعليقات: