كتابُ الصَّلاة عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
شرح
العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
باب الأمر بالصلاة عليه وبعض صيغها
أحاديث رياض الصالحين: باب الأمر بالصلاة
عليه وبعض صيغها.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
[الأحزاب: ٥٦].
١٤٠٥- وعنْ عبد اللَّه بن عمرو بن العاص
رضي اللَّه عنْهُمَا، أنَّهُ سمِع رسُول اللَّه ﷺ يقُولُ:
«مَنْ صلَّى علىَّ صلاَةً، صلَّى اللَّه علَيّهِ
بِهَا عشْرًا» [١] رواه مسلم.
١٤٠٦- وعن ابن مسْعُودٍ رضي اللَّه عنْهُ، أنَّ رسُول اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَوْلى
النَّاسِ بِي يوْمَ الْقِيامةِ أَكْثَرُهُم عَليَّ صَلاَةً» [٢] رواه
الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
١٤٠٧- وعن أوس بن أوسٍ رضي اللَّه عنْهُ، قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «إنَّ مِن أَفْضلِ
أيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعةِ، فَأَكْثِرُوا عليَّ مِنَ الصلاةِ فِيهِ، فإنَّ
صَلاتَكُمْ معْرُوضَةٌ علَيَّ» فقالوا: يَا رسول اللَّه، وكَيْفَ تُعرضُ
صلاتُنَا عليْكَ وقدْ أرَمْتَ؟ قال: يقولُ: بَلِيتَ، قالَ: «إنَّ اللَّه حَرم عَلَى الأرْضِ أجْساد الأنْبِياءِ»
[٣] رواهُ أَبُو داود بإسنادٍ صحيحِ.
الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول
الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآية الكريمة مع الأحاديث كلها تدل
على فضل الصلاة على النبي ﷺ، وأن من صلى
عليه واحدة صلى الله عليها بها عشرًا؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، يقول الله جَلَّ وَعَلاَ:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦] والصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملإ الأعلى
ورحمته إياه، ومنها: الدعاء، نقول: اللهم صلِّى على رسول الله، اللهم صلِّى وسلم
على رسول الله، اللهم صلِّى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، هكذا فسرها النبي ﷺ،
فيشرع لنا الإكثار من ذلك في الليل والنهار في كل وقت ولاسيما بعد الأذان، إذا أذن
وقلت: لا إله إلا الله أجبت المؤذن، تقول بعد لا إله إلا الله تصلي على النبي؛
اللهم صلِّى على محمد وعلى آل محمد إلى آخره، ثم تقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة
والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته إنك
لا تخلف الميعاد، يقول النبي ﷺ: "إذا
سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا عَليَّ فإنه من صلى عَليَّ صلاة واحدة
صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي
إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة
يوم القيامة" فينبغي الإكثار من الصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام.
ويقول ﷺ:
«أَوْلى النَّاسِ بِي يوْمَ الْقِيامةِ أَكْثَرُهُم
عَليَّ صَلاَةً» أولى الناس بالنبي ﷺ أكثرهم
عليه صلاة عن إيمان به وعن محبة له عليه الصلاة والسلام، واتباعًا لشريعته.
ويقول ﷺ:
"إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة" وفي اللفظ الآخر: «خير أيامكم يوم
الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه
ساعة لا يرد فيها سائلًا، فأكثروا عليّ من الصلاة فيها فإن صلاتكم معروضة عَليَّ»
قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أرمت يعني: بليت، قال: «إن
الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» روحهم في أعلى عليين، ومن صلى عليه
وسلم، ترد عليه روحه حتى يرد عليه السلام كما قال ﷺ:
«ما من أحدٍ يسلِّمُ عليَّ إلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ
روحي حتَّى أردَّ عليْهِ السَّلامَ» [٤]، ويمكن أن تحمل الملائكة الصلاة
عليه إليه عليه الصلاة والسلام، فإنه ﷺ قال:
«إنَّ للَّهِ ملائِكةً سيَّاحينَ في الأرضِ ،
يُبلِّغوني من أُمَّتي السَّلامَ» [٥] عليه الصلاة والسلام، فالإكثار من
الصلاة عليه، والسلام عليه يبلغ إياها عليه الصلاة والسلام، ويرد على من سلم عليه،
فينبغي الإكثار من ذلك على ما جاء في الأحاديث الصحيحة في صفة الصلاة عليه
بينها ﷺ قال: «قُولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ
مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ
مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ
علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» [٦]، هذه
صفة الصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام، أما السلام فقد بينه السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته، ولهذا لما علمهم الصلاة قال: «أما السلام فقد علمتم»
وهو أن يقول الإنسان: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، أو السلام عليك
النبي ورحمة الله وبركاته، أو السلام على النبي محمد ورحمة الله وبركاته، المقصود
أنه علمنا كيف نصلي وكيف نسلم عليه الصلاة والسلام، فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه.
وفق الله الجميع.
[١] صحيح مسلم: (٤٠٨)، فائدة: قال ابن
العربي رحمه الله، في عارضة الأحوزي (٢/٢٣٠) مسألة: كان أصحابه إذا كلموه أو
نادوه: يا رسول الله، لا يقول أحد منهم صلى الله عليك، وصار الناس اليوم لا
يذكرونه إلا قالوا: ﷺ، والسر فيه أن أولئك
كانت صلاتهم عليه ومحبتهم اتباعهم له وعدم مخالفته، ولما لم يتبعه اليوم أحد
وخالفه جميعهم في الأقوال والأفعال، خدعهم الشيطان بأن يصلوا عليه في كل ذكر وأن
يكتبوه في كل كتاب ورسالة، ولو أنهم يتبعونه ويقتدون به ولا يصلون عليه في ذكره
ولا في ريالة إلا حال الصلاة، لكانوا على سيرة السلف.
[٢] إسناده ضعيف: الترمذي (٤٨٤)، ابن
حبان (٢/١٣٣ احسان)، قلت: اسناد الترمذي فيه محمد بن خالد بن عثمه وموسى بن يعقوب
الزمعي صدوقان يخطئان وعبد الله بن كيسنان، قال الحافظ مقبول يعني: عند المتابعة،
وحيث لا أعلم له متابعًا حتى الآن فهو مجهول.
[٣] صحيح: أحمد (٤/٨)، أبو داود (١٠٤٧)،
النسائي (٣/٩٢،٩١)، ابن ماجة (١/٣٤٥)، الحاكم (١/٢٧٨) وصححه ووافقه الذهبي، ابن
خزيمة (٣/١١٨)، قال د/ مصطفى الأعظمي في تعليقه على ابن خزيمة (٣/١١٨) إسناده
صحيح.
[٤] أخرجه أبو داود: (٢٠٤١) واللفظ له،
وأحمد: (١٠٨١٥).
[٥] أخرجه النسائي: (١٢٨٢)، وأحمد:
(٣٦٦٦).
[٦] صحيح البخاري: (٣٣٧٠)، أخرجه
الطبراني في "المعجم الكبير" (١٩/١٢٩) (٢٨٣)، والبغوي في "شرح
السنة" (٦٨١) باختلاف يسير، ومسلم: (٤٠٦) بنحوه.
الْحمْد
لِلَّه ربِّ الْعالمين
اللَّهمَّ اِرْحم مَوْتَانا
مِن المسْلمين واجْمعْنَا بِهم فِي جَنَّات النَّعِيم
تَقبَل اَللَّه مِنَّا ومنْكم صَالِح الأعْمال
